تردي الأوضاع المعيشية يزيد معدلات الهجرة والانتحار في قطاع غزة

تردي الأوضاع المعيشية يزيد معدلات الهجرة والانتحار في قطاع غزة

قديح: الظروف الصعبة في غزة دفعتني للتفكير في الهجرة لبناء مستقبل لعائلتي

محارب: حالات الانتحار مرهونة ومرتبطة بالظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة

أبو جامع: عدم وجود مقومات التنمية والحروب المتكررة تدفع الشباب للتفكير في الهجرة والانتحار

أبو حسنة: انعدام الأفق السياسي في غزة يخلق ظواهر سلبية في المجتمع الفلسطيني

معروف: غالبية من يغادرون غزة من الشباب يذهبون للبحث عن فرص عمل

المجتمع المدني: حالة الانقسام سببت تداعيات كارثية ضاعفت من مستوى الألم والمعاناة لدى أبناء الشعب الفلسطيني

 

فلسطين- أحمد حرب

تزايدت حالات الانتحار والهجرة بين صفوف الشباب الفلسطيني في الآونة الأخيرة، لا سيما في قطاع غزة، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وعلى الرغم من أن الانتحار والهجرة يختلفان من حيث الشكل، فإنهما يتفقان من حيث الدوافع والأسباب التي تدفع الكثير من الشباب في غزة إلى اختيار أي منهما.

وبحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية "أوتشا"، فقد غادر قطاع غزة أكثر من 91 ألف مسافر، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2023، إلى جانب رصد أكثر من 18 ألف شاب من غزة تقدموا للحصول على تأشيرة للسفر إلى تركيا من أجل الوصول إلى اليونان ومن ثم إلى أوروبا.

من ناحية أخرى، أثار الشاب محمد المصري والذي يعول أسرة مكونة من 3 أطفال بعد إقدامه على شنق نفسه داخل غرفة في بيته، سخط سكان قطاع غزة ولعنوا الظروف المعيشية التي جعلت الشباب يعانون الاكتئاب الذي يدفع للانتحار.

وقال زوج شقيقته لـ"جسور بوست"، إن السبب الرئيسي الذي دفع محمد للتفكير في الانتحار هو الوضع الاقتصادي المتردي من الفقر والجوع والمرض وعدم قدرته على توفير العلاج.

الفقر والجوع

وأضاف أن محمد كان يعاني من أمراض وفي الفترة الأخيرة لم يستطع توفير علاجه، علاوة على عدم قدرته على توفير احتياجات أسرته الأساسية من الأكل والشرب والمصروف، ما أدخله في حالة من الاكتئاب والضعف ما دفعه إلى الإقدام على الانتحار.

انعدام الأفق

وقال إبراهيم قديح شاب من قطاع غزة في اتصال هاتفي مع "جسور بوست"، وهو موجود في معبر رفح البري جنوب القطاع وهو المنفذ الوحيد لسكان غزة إلى العالم متوجها إلى تركيا وبعدها لليونان للهجرة منها إلى أوروبا، إن الظروف الصعبة في غزة من انعدم الأفق وعدم توفير العمل دفعتني إلى التفكير في الهجرة لبناء مستقبل لي وعائلتي التي تركتها خلفي في غزة، وعلى الرغم من أن تكلفة رحلة الهجرة وصلت إلى 3000 آلاف دولار فإنني صممت على ذلك، خاصة عندما وجدت أن هناك عددا كبيرا من الشباب في غزة خاضوا تجربة الهجرة وحققوا نجاحات في حياتهم".

 

23 حالة انتحار 

بدوره، قال الخبير القانوني في مركز الميزان لحقوق الإنسان، يحيي محارب، لـ"جسور بوست"، إن المركز وثق 20 حالة انتحار منذ بداية عام 2023 وبعد لم ينتهِ العام، وفي عام 2022 وثق المركز 19 حالة، وفي عام 2021 وثق 17 حالة، وفي عام 2020 الأعلى للحالات وصلت 39 حالة انتحار".

يحيى محارب

يحيى محارب

ويعزو “محارب” ذلك إلى مجموعة من العوامل والدوافع التي تفضي إلى حالات الانتحار والهجرة من قبل الشباب، ويجب على جهات الاختصاص التحقيق في ذلك على الرغم من أن هناك عوامل نفسية واجتماعية ما تجبر الشخص على الانتحار والهجرة، ولكن المنطق والمقبول يقولان إن الحالات مرهونة ومرتبطة بالظروف الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة.

وأكد أن هناك دورا للانتهاكات الإسرائيلية من خلال الحصار المفروض على القطاع الذي أنتج الفقر والبطالة في صفوف الشباب الفلسطيني على مدار 17 عاما، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على السلطات المحلية في غزة من تقوم بواجبها تجاه كل دوافع الانتحار والهجرة والحد منها.

وشدد على أن الملاحظ على حالات الانتحار والهجرة هي أنها لشباب في مقتبل العمر، يعانون من ظروف اقتصادية ومعيشية معقدة، لا يستطيعون القيام بدورهم المنوط بهم اجتماعيا ومعيشيا تجاه أسرهم، لذلك يجب لفت انتباه الجهات المعنية والتحقيق في ظروف انتحار وهجرة الشباب والعمل على إزالتها بشكل عاجل.

الانتحار والهجرة

من جانبه، قال مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية، ياسر أبو جامع، إن الأوضاع الاقتصادية السيئة في قطاع غزة من الفقر والبطالة ارتفعت كظاهرة بين صفوف الشباب الفلسطيني في آخر 8 سنوات، والملاحظ أن فكرة الهجرة أصبحت “ترند” على مواقع التواصل الاجتماعي ومتداولة بشكل مكثف في القطاع، وهذا يشجع الشباب على الإقدام على الهجرة.

ياسر أبو جامع
ياسر أبو جامع

وقال في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن فكرة الهجرة قد لا تكون مجدية في وقت من الأوقات في ظل غياب الرؤية والأفق لدى الشاب المقبل على الهجرة في ما بعد وصوله إلى أوروبا، لأن عوامل النجاح والفشل مرتبطة بالشاب نفسه وقدرته على التعامل مع المعطيات الجديدة في الدولة الموجود بها، لذلك وجدنا العديد من الشباب الذين هاجروا وعادوا بعد ذلك إلى غزة بعد سنوات من الغربة".

وأوضح أن الانقسام الفلسطيني وعدم وجود مقومات التنمية والحروب المتكررة على قطاع غزة بين الفنية والأخرى هي دوافع للشباب للأقدام على الهجرة والتخلص من الواقع المعاش على مدار السنوات الماضية، ولكن الهجرة لا تعني أن هناك حياة وردية في أوروبا تنتظر الشباب الفلسطيني، لذلك يجب النظر لفكرة الهجرة بشكل معمق لأنها ليست المخرج للمشكلة، وإيجاد بدائل أخرى تحول دون هجرة الشباب كفتح المشاريع الخاصة والعمل عن بعد.

وفي ما يتعلق بإقدام الشباب على الانتحار قال “أبو جامع”، "لا توجد أي مبررات للإقدام على الانتحار، فهو مرتبط بعوامل نفسية، و80% ممن يقدمون على الانتحار هم مرضى نفسيون مصابون بالاكتئاب والانفصام والهلوسات الشديدة، ولكن في غزة -وهو أمر غريب- فكرة الانتحار والحالات المسجلة قليلة، لكنها تأتي في إطار رفض للواقع المعاش، ولها جانبان، الأول يجب دراسة كل حالة بشكل معمق لفهم الأسباب وآلية التعامل وتفادي حالات أخرى، لأن أغلب حالات الانتحار في غزة ليست بسبب أمراض نفسية، والثاني أن الظروف الاقتصادية والمعيشية التي دفعت الشخص إلى الانتحار تشجع الشباب الآخرين للإقدام على فعل الانتحار، لأن الظروف موحدة للجميع في القطاع".

ضغوط هائلة

وفي السياق، قال المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا في قطاع غزة، عدنان أبو حسنة، إن الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 15 عاما والقطاع الخاص المدمر وارتفاع نسب البطالة وقدرة المجتمع بمكوناته الاقتصادية والمجتمعية على النمو هي قدرة محدودة للغاية، والحركة من وإلى غزة مكلفة، كل هذه المعطيات تشكل ضغوطا هائلة على مجتمع الشباب الفلسطيني".

أبو حسنة

عدنان أبو حسنة

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الأهم للشباب في غزة وجود الأفق السياسي والاقتصادي، فانعدام هذا الأفق يخلق ظواهر عديدة وسلبية في المجتمع الفلسطيني كالهجرة والانتحار.

ربط السفر من غزة بالهجرة

في المقابل، قال رئيس المكتب الإعلامي لحكومة غزة سلامة معروف، "من الخطأ ربط السفر من غزة بالهجرة، لأن هناك حالات تغادر في إطار البحث عن فرص عمل أو لأغراض تجارية أو ربما لأسباب أخرى".

وأضاف “معروف”، عبر صفحته على “فيسبوك”، أن "حركة المسافرين طبيعية هذا العام، ولم نلاحظ أي زيادة في عدد الأشخاص الذين غادروا غزة، في كل صيف نلاحظ كثافة في السفر، ونحن نسهم في تسهيل الإجراءات ونحاول استيعاب أعداد المسجلين للسفر، وهذا حقهم الطبيعي المكفول في القانون".

وأوضح المسؤول الحكومي أن تكدس أعداد المسافرين أمام مكاتب الحصول على تأشيرة سفر يعود لاقتصار إصدارها على جهة واحدة فقط، بعد أن كان متاحاً من خلال جميع مكاتب السفر في المحافظات.

المنفذ الوحيد

ولفت معروف إلى أنه بحسب متابعة حركة معبر رفح الذي يعد البوابة الوحيدة التي تربط غزة بالعالم، فإن بيانات الهيئة العامة للمعابر والحدود في وزارة الداخلية تشير إلى أن أعداد الأشخاص الذين دخلوا القطاع أكبر من الخارجين منها، مؤكداً أن هذا دليل واضح أنه لا توجد هجرة جماعية.

وبحسب بيانات الهيئة العامة للمعابر والحدود فإن أعداد المسافرين المغادرين أو العائدين هي وفق المعدل السنوي المعتاد، ولا يوجد أي تغير ملحوظ فيها بحسب بيانات حركة السفر عبر معبر رفح، إذ سجلت مغادرة 113234 مواطناً منذ بداية العام، فيما سجل وصول 116651 مواطناً.

تواطؤ الجهات الرسمية

وحذرت الكثير من المؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة من تنامي ظواهر مقلقة وخطيرة باتت تهدد المجتمع الفلسطيني، من أبرزها تزايد أعداد حالات الانتحار، والهجرة غير الشرعية خاصة بين صفوف الشباب، وركوب قوارب الموت إلى المجهول.

وأكدت أن الأوضاع والظروف التي يعانيها قطاع غزة، وبشكل أساسي بسبب ممارسات السلطات الإسرائيلية وجرائمها واستمرار حصار أبناء شعبنا في قطاع غزة، تفاقمت حدتها منذ الانقسام البغيض قبل 17 عاماً، من بؤس وفقر مدقع وحرمان، ومن انعدام لفرص العمل ومحدودية سبل العيش الكريم، وتنامي حالة الإحباط وانعدام الثقة وغيرها من القضايا الحياتية، وهي الأوضاع والدوافع التي شكلت سبباً مباشراً في تنامي ظاهرة الهجرة والانتحار.

وقالت مؤسسات المجتمع المدني، إن ذلك يأتي بجانب العديد من الظواهر الاجتماعية السيئة، جراء ما خلفته حالة الانقسام من تداعيات كارثية ضاعفت من مستوى الألم والمعاناة لدى أبناء الشعب الفلسطيني، بفعل تواطؤ الجهات الرسمية وتقاعسها في أحيان أخرى، بالإضافة إلى قراراتها وإجراءاتها غير المسؤولة التي ساهمت بشكلٍ كبير في إدارة تلك الأزمات استناداً لحسابات الربح والخسارة، والحكم لقوى السلطة بطريقةٍ عظّمت من معاناة المواطنين وفي مقدمتهم فئة الشباب.

وقالت إن ما زاد الطين بلة، هو الدور الذي لعبته جماعات المصالح والاقتصادات الطفيلية التي استثمرت فيها وصنعت نفوذها ومصالحها على حساب المواطن الفقير والشباب بالدرجة الأكبر، ما أفقد آلاف الأسر أبسط مقومات الحياة الكريمة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية